فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

فلما قتلوا ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، فنزل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ}، يعني ولو ترى، يا محمد إذ يتوفى الذين كفروا، يعني حين يقبض أرواح الذين كفروا {الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} عند قبض أرواحهم، {وأدبارهم}، {و} يقول لهم الملائكة يوم القيامة: {وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق}؛ ولم يذكر الجواب، لأن في الكلام دليلًا عليه، ومعناه لو رأيت ذلك لرأيت أمرًا عظيمًا.
قرأ ابن عامر {إِذْ} الذين بلفظ التأنيث، وقرأ الباقون {الله يَتَوَفَّى} بلفظ التذكير.
وروي عن ابن مسعود أنه كان يُذَكِّر الملائكة في جميع القرآن، خلافًا للمشركين بقولهم: الملائكة بنات الله. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ ترى} تعاين يا محمد {إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة} أي يقبضون أرواحهم ببدر {يَضْرِبُونَ} حال أي ضاربين {وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} قال سعيد بن جبير، ومجاهد: يريد أستاههم ولكن الله تعالى كريم يكني.
وقال مُرّة الهمذاني وابن جريج: وجوههم ما أقبل عنهم، وأدبارهم ما أدبر عنهم، وتقديره: يضربون أجسادهم كلها، وقال ابن عباس: كانوا إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم، وقال الحسن: قال رجل: يا رسول الله رأيت بظهراني رجل مثل الشراك، قال: ذلك ضرب الملائكة وقال الحسين بن الفضل: ضرب الوجه عقوبة كفرهم، وضرب الأدبار عقوبة معاصيهم.
{وَذُوقُواْ} فيه إضمار، أي ويقولون لهم ذوقوا {عَذَابَ الحريق} في الآخرة، ورأيت في بعض التفاسير: كان مع الملائكة مقامع من حديد كلمّا ضربوا التهب النار في الجراحات فذلك قوله تعالى: {وذوقوا عذاب الحريق}، ومعنى قوله ذوقوا: قاسوا واحتملوا. قال الشاعر:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ** من الغيظ في أكبادنا والتحوب

ويجوز ذوقوا بمعنى موضع الابتلاء والاختبار يقول العرب اركب هذا الفرس فذقه، وانظر فلانًا وذق ما عنده. قال الشماخ في وصف قوس:
فذاق وأعطاه من اللين جانبًا ** كفى ولهًا أن يغرق السهم حاجز

وأصله من الذوق بالفم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: يتوفاهم ملك الموت عند قبض أرواحهم، قاله مقاتل.
والثاني: قتل الملائكة لهم حين قاتلوهم يوم بدر.
{يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدبَارَهُمْ} تأويله على القول الأول: يضربون وجوههم يوم القيامة إذا واجهوهم، وأدبارهم إذا ساقوهم إلى النار.
وتأويله على القول الثاني يحتمل وجهين:
أحدهما: يضربون وجوههم ببدر لما قاتلوا، وأدبارهم لما انهزموا.
والثاني: أنهم جاءوهم من أمامهم وورائهم، فمن كان من أمامهم ضرب وجوههم، ومن كان من ورائهم ضرب أدبارهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}
هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر، قاله مجاهد وغيره، وفي ذلك وعيد لمن بقي منهم، وحذف جواب، {لو} إبهام بليغ، وقرأ جمهور السبعة والناس يتوفى بالياء فعل فيه علامة التذكير إلى مؤنث في اللفظ، وساغ ذلك أن التأنيث غير حقيقي، وارتفعت {الملائكة} ب {يتوفى}، وقال بعض من قرأ هذه القراءة إن المعنى إذ يتوفى الله الذين كفروا و{الملائكة} رفع بالابتداء، و{يضربون} خبره والجملة في موضع الحال.
قال القاضي أبو محمد: ويضعف هذا التأويل سقوط واو الحال فإنها في الإغلب تلزم مثل هذا، وقرأ ابن عامر من السبعة والأعرج تتوفى بالتاء على الإسناد إلى لفظ الملائكة و{يضربون} في موضع الحال، وقوله: {وأدبارهم} قال جمهور المفسرين يريد أستاههم، ولكن الله كريم كنى، وقال ابن عباس أراد ظهورهم وما أدبر منهم، ومعنى هذا أن الملائكة كانت تلحقهم في حال الإدبار فتضرب أدبارهم، فأما في حال الإقبال فبين تمكن ضرب الوجوه، وروى الحسن أن رجلًا قال: يا رسول الله رأيت في ظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك ضرب الملائكة»، وعبر بجمع الملائكة، وملك الموت واحد إذ له على ذلك أعوان من الملائكة، وقوله: {وذوقوا عذاب الحريق} قيل كانوا يقولون للكفار حينئذ هذا اللفظ فحذف يقولون اختصار، وقيل معناه وحالهم يوم القيامة أن يقال لهم هذا، و{الحريق} فعيل من الحرق. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولو ترى إذْ يتوفى الذين كفروا الملائكةُ}
قرأ الجمهور {يتوفى} بالياء.
وقرأ ابن عامر: {تتوفى} بتاءين.
قال المفسرون: نزلت في الرهط الذين قالوا: {غرَّ هؤلاءِ دينهُم} وفي المراد بالملائكة ثلاثة أقوال:
أحدها: ملك الموت وحده، قاله مقاتل.
والثاني: ملائكة العذاب، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: الملائكة الذين قاتلوا يوم بدر، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {يضربون وجوهَهم وأدبارَهم} أربعة أقوال:
أحدها: يضربون وجوههم ببدر لما قاتلوا، وأدبارهم لما انهزموا.
والثاني: أنهم جاءوهم من بين أيديهم ومن خلفهم، فالذين أمامهم ضربوا وجوههم، والذين وراءهم ضربوا أدبارهم.
والثالث: يضربون وجوههم يوم القيامة إذا لقوهم، وأدبارهم إذا ساقوهم إلى النار.
والرابع: أنهم يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت بسياط من نار.
وهل المراد نفس الوجوه والأدبار، أم المراد ما أقبل من أبدانهم وأدبر؟ فيه قولان.
وفي قوله: {وذوقوا عذاب الحريق} قولان:
أحدهما: أنه في الدنيا، وفيه إضمار يقولون، فالمعنى: يضربون ويقولون، كقوله: {وإذْ يرفعُ إبراهيمُ القواعدَ من البيتِ وإسماعيلُ ربَّنا} [البقرة: 127] أي: ويقولان.
قال النابغة:
كأنكَ من جِمالِ بني أُقَيش ** يُقَعْقَعُ خَلْفَ رجلَيْه بِشَنِّ

والمعنى: كأنك جمل من جمال لبني أقيش، هذا قول الفراء، وأبي عبيدة.
والثاني: أن الضرب لهم في الدنيا، فإذا وردوا يوم القيامة إلى النار، قال خزنتها: ذوقوا عذاب الحريق، هذا قول مقاتل. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}
قيل: أراد من بقي ولم يُقتل يوم بدر.
وقيل: هي فيمن قُتل ببدر.
وجواب لو محذوف، تقديره: لرأيت أمرًا عظيمًا.
{يَضْرِبُونَ} في موضع الحال.
{وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} أي أستاههم، كنى عنها بالأدبار؛ قاله مجاهد وسعيد بن جُبير.
الحسن: ظهورهم، وقال: إن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشرَّاك؟ قال: «ذلك ضرب الملائكة» وقيل: هذا الضرب يكون عند الموت.
وقد يكون يوم القيامة حين يصيرون بهم إلى النار.
{وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} قال الفرّاء: المعنى ويقولون ذوقوا؛ فحذف.
وقال الحسن: هذا يوم القيامة، تقول لهم خزنة جهنم: ذوقوا عذاب الحريق.
وروي أن في بعض التفاسير أنه كان مع الملائكة مقامعُ من حديد، كلما ضربوا التهبت النار في الجراحات؛ فذلك قوله: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق}.
والذوق يكون محسوسًا ومعنىً.
وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار؛ تقول: اركب هذا الفرس فذقه.
وانظر فلانًا فذق ما عنده.
قال الشمّاخ يصف فرسًا:
فذاق فأعطتهُ من اللِّين جانبًا ** كفى ولها أن يُغرقَ السهم حاجزُ

وأصله من الذوق بالفم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة}
يعني: ولو عاينت يا محمد وشهدت إذا تقبض الملائكة أرواح الذين كفروا عند الموت لرأيت أمرًا عظيمًا ومنظرًا فظيعًا وعذابًا شديدًا ينالهم في ذلك الوقت {يضربون وجوههم وأدبارهم} اختلفوا في وقت هذا الضرب، فقيل: هو عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط من نار.
وقيل: إن الذين قتلوا يوم بدر من المشركين كانت الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم.
وقال ابن عباس: كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف وإذا ولوا أدبارهم ضربت الملائكة أدبارهم.
وقال ابن جريج: يريد، ما أقبل من أجسادهم وأدبر يعني يضربون جميع أجسادهم {وذوقوا عذاب الحريق} يعني وتقول لهم الملائكة عند القتل: ذوقوا عذاب الحريق.
قيل: كان مع الملائكة مقامع من حديد محمية بالنار يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم.
وقال ابن عباس: تقول لهم الملائكة ذلك بعد الموت.
وقال الحسن: هذا يوم القيامة تقول لهم الزبانية ذوقوا عذاب الحريق. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولو ترى إذ يتوفّى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}.
{لو} التي ليست شرطًا في المستقبل تقلب المضارع للمضي فالمعنى لو رأيت وشاهدت وحذف جواب لو جاز بليغ حذفه في مثل هذا لأنه يدلّ على التعظيم أي لرأيت أمرًا عجيبًا وشأنًا هائلًا كقوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النار}، والظاهر أنّ {الملائكة} فاعل {يتوفى} ويدلّ عليه قراءة ابن عامر والأعرج تتوفى بالتاء وذكر في قراءة غيرهما لأن تأنيث الملائكة مجاز وحسنه الفضل، وقيل: الفاعل في هذه القراءة الفاعل ضمير الله و{الملائكة} مبتدأ والجملة حاليّة، كهي في {يضربون}، قال ابن عطية: ويضعفه سقوط واو الحال فإنها في الأغلب تلزم مثل هذا انتهى، ولا يضعفه إذ جاء بغير واو في كتاب الله وفي كثير من كلام العرب و{الملائكة} ملك الموت وذكر بلفظ الجمع تعظيمًا أو هو وأعوانه من الملائكة فيكون التوفي قبض أرواحهم أو الملائكة الممدّ بهم يوم بدر، والتوفي قتلهم ذلك اليوم أو ملائكة العذاب فالتوفي سوقهم إلى النار أقوال ثلاثة، والظاهر حقيقة الوجوه والإدبار كناية عن الأست. اهـ.
قال مجاهد: وخصا بالضرب لأن الخزي والنكال فيهما أشد، وقيل: ما أقبل منهم وما أدبر فيكون كناية عن جميع البدن وإذا كان ذلك يوم بدر فالظاهر أن الضّاربين هم الملائكة.
وقيل: الضمير عائد على المؤمنين أي يضرب المؤمنون فمن كان أمامهم من المؤمنين ضربوا وجوههم ومن كان وراءهم ضربوا أدبارهم فإن كان ذلك عند الموت ضربتهم الملائكة بسياط من نار، وقوله: {ذوقوا} هذا على إضمار القول من الملائكة أي ويقولون لهم: {ذوقوا عذاب الحريق} ويكون ذلك يوم بدر وكانت لهم أسواط من نار يضربونهم بها فتشتغل جراحاتهم نارًا أو يقال لهم ذلك في الآخرة وهو كلام مستأنف من الله على سبيل التقريع للكافرين أما في الدنيا حالة الموت أي مقدّمة عذاب النار، وأما في الآخرة ويحتمل ذلك وما يعده أن يكون من كلام الملائكة أو من كلام الله. اهـ.